الاستشعار عن بعد لرصد الأراضي الرطبة والحفاظ عليها في البحر الأبيض المتوسط

رغم كونها من بين أعلى النظم البيئية الطبيعية تنوعاً وإنتاجية في العالم، إلا أن الأراضي الرطبة تعد كذلك من بين أكثر النظم المهددة بالانقراض بسبب تغير المناخ والأنشطة البشرية غير المسؤولة. وبسبب إنتاجيتها العالية، فهي غنية جداً بالتنوع البيولوجي لإحتوائها على أنواع لا حصر لها من الحيوانات والنباتات. وتوفر عددًا كبيرًا من خدمات النظم الإيكولوجية التي تنقسم إلا ثلاث فئات: خدمات التنظيم (تخفيف حدة الفيضانات والعواصف والتكيف مع تغير المناخ) وخدمات التموين (توفير المياه العذبة) والخدمات الثقافية (أماكن لتنظيم أنشطة ترفيهية و سياحية).

 

بحيرة Vaccarès تقع في المحمية الطبيعية الوطنية كامارغ ( فرنسا) . تصوير: © J. Jalbert / Tour du Valat

 

على الرغم من هذه الحقائق المثبتة، إلا أن الانخفاض في مساحة الأراضي الرطبة، الذي يقدر بنحو 50٪ منذ مطلع القرن العشرين في منطقة البحر الأبيض المتوسط (حسب تقرير مرصد المناطق الرطبة المتوسطية (MWO) لسنة 2012)، لا يزال مستمرا إلى يومنا هذا على المستوى العالمي. ويؤثر هذا التراجع في المساحة سلباً على التنوع البيولوجي ويؤدي إلا فقدانه وتلاشي الفوائد التي تقدمها الأراضي الرطبة للبشر.

لقد اتخذت عديد الإجراءات الوطنية والدولية لمعالجة أسباب فقدان الأراضي الرطبة وبغية وضع حد لهذا الفقدان. وكان أحد هذه الإجراءات هو الادراج في قائمة إتفاقية رامسار (1971، إيران) للأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية وفقا لتسعة معايير تشمل نوع الأرض الرطبة والموائل وتجمعات الحيوانات التي تم إحصائها في الموقع (معظمها من الطيور المائية والأسماك). إن التسجيل على قائمة رامسار يستوجب إستيفاء الموقع المقترح لمعيار واحد على الأقل من المعايير التسعة التي حددتها إتفاقية رامسار.

ومع ذلك، فإن نقص المعرفة بوظائف الأراضي الرطبة وتطورها الفيزيائي-الكيميائي والإيكولوجي مع مرور الوقت يجعل من النظم الإيكولوجية مجهولة عند العديد من الناس في جميع أنحاء العالم. إن البيانات المتحصل عليها ميدانيا لا تسمح غالباً بتحديد مدى التغير في مساحة الأراضي الرطبة بمرور الزمن بالإضافة إلى معاييرها الفيزيائية الكيميائية، ولا تسمح بالتوصل إلى جرد كامل على نطاق واسع. وهنا تظهر الحاجة الماسة إلى تكنولوجيات جديدة مثل الاستشعار عن بعد، والتي تساعد على سد النقص في المعرفة وفهم أدق وأوسع لعمل الأراضي الرطبة وطنياً ودولياً.

لقد ظهر مصطلح الاستشعار عن بعد في عام 1971 عقب إطلاق أول قمر صناعي مخصص لمراقبة الموارد الطبيعية على الأرض (Landsat-1). ويشمل هذا النظام جميع الأدوات التي تمكننا من استخلاص المعلومات والبيانات عن سطح الأرض المتأتية من صور الأقمار الصناعية التي تدور حولها أو الصور الجوية التي تلتقطها الطائرات.

لهذا ظهرت العديد من المشاريع الوطنية والدولية في السنوات الأخيرة قائمة على الاستشعار عن بعد لما لديه من قدرة على توفير المعلومات الرئيسية للحفاظ على الأراضي الرطبة، وهنا استعراض سريع لهذه المشاريع:

 

مشروع GLOBWETLAND I للفترة (2003-2008)

لقد أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، بالشراكة مع أمانة اتفاقية رامسار، مشروع GlobWetland I سنة 2003 لإثبات أهمية صور الأقمار الصناعية وتكنولوجيات رصد الأرض، مدمجةمع نظم المعلومات الجغرافية بالنسبة لجرد النظم الإيكولوجية للأراضي الرطبة ومراقبتها وتقييمها. ونفذ هذا المشروع في الفترة الممتدة بين 2003 و 2008، بالتعاون بين العديد من منظمات الحفظ ومدراء الأراضي الرطبة، ومكن من دراسة 52 أراضا رطبة في 21 بلدا موزعا أربع قارات.

وقد برهن مشروع GlobWetland I أن التكنولوجيات الساتلية أثبتت نفسها كأدوات مفيدة وفعالة لدعم اتفاقية رامسار والأطراف المتعاقدة فيها. تعرف على المشروع هنا: www.globwetland.org

 

مشروع  GLOBWETLAND II في الفترة (2010 – 2014)

يأتي هذا المشروع كتكملة هامة لمشروع GlobWetland I. ويهدف إلى جرد الأراضي الرطبة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وتحديد التهديدات التي تواجهها وإنتاج خرائط تلخص المعلومات المستخرجة من صور الأقمار الصناعية على مدى ثلاث فترات مختلفة (1975 ، 1990 ، 2005).

تسمح هذه الأداة، من خلال عدد كبير من أنواع صور الأقمار الصناعية (Landsat و Sentinel-2 و RapidEye و SPOT)، باتباع عدة معايير:

  • التغييرات في استخدام الأراضي
  • التغيرات في مساحات الأراضي الرطبة الطبيعية والاصطناعية
  • الضغوط الرئيسية على الأراضي الرطبة

لقد أنشأت الخرائط على أكثر من 200 منطقة رطبة مختارة في مستجمعات المياه على المناطق الساحلية في بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط ​​وشرقه، من المغرب إلى سوريا (أقل من 100 كم على الساحل)

تسمح أداة GlobWetland II بمراقبة مساحة الأراضي الرطبة وبتسليط الضوء على التغيرات في استخدام الأراضي (تطورات الزحف العمراني والزراعي وفقدان الموائل الطبيعية) ورصد التغيرات في المساحة المغمورة في الأراضي الرطبة الساحلية بمرور الوقت.

مزيد من المعلومات هنا: www.globwetland.org/

تمكن مرصد المناطق الرطبة المتوسطية (MWO)، بفضل هذا المشروع، من تحليل الخرائط المنتجة واستكمال الدراسة على مستوى الشاطئ الشمالي للبحر الأبيض المتوسط ​​(من تركيا إلى البرتغال). نتج عن هذا العمل تقرير ” استخدام الأراضي – ديناميات المكانية بين 1975 و 2005 في الأراضي الرطبة الساحلية المتوسطية” . بين التقرير أن الأراضي الرطبة المتوسطية ​​قد انخفضت مساحتها في المتوسط ​​بنسبة 10٪ بين عامي 1975 و 2005 نتيجة توسع المناطق الحضرية والزراعية والافراط في سحب المياه من الطبيعة وبناء خزانات المياه (السدود) والتحات البحري مما تسبب في تراجع الخط الساحلي.

لمزيد المعلومات، يمكنكم تحميل:

 

رسم الخرائط في إطار مشروع GlobWetland II. مصدر الصورة: وكالة الفضاء الأوروبية

 

مشروع مراقبة الأراضي الرطبة باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية SWOS، 2015-2018

يهدف مشروع SWOS، الممول من برنامج Horizon 2020 الأوروبي، إلى إنشاء أداة استشعار عن بعد لرصد الأراضي الرطبة استناداً إلى مجموعة من المؤشرات.

كخطوة أولى، تم توفير أولى منتجات SWOS على شكل خرائط للمواقع التجريبية التي تم تحديدها، وهي متاحة لعامة الناس عبر شبكة الإنترنت على الرابط التالي.

 في مرحلة ثانية، سيتم استخدام أداة الاستشعار عن بعد بوظائفها المتعددة والتي يمكن تطبيقها على العديد من أنواع صور الأقمار الصناعية (Sentinel رقم 1 و 2 و 3 و Landsat 1 إلى 8 و Enviset MERIS و MODIS)، بالإضافة إلى العديد من المؤشرات، من قبل صانعي السياسات والمدراء مصحوبة بشرح تفصيلي حول كيفية استخدامها.

تسمح أداة الاستشعار عن بعد (SWOS)، التي يمكن استخدامها ببرامج الخرائط (QGis و ArcGis) والمؤشرات المرتبطة بها، باستخراج البيانات المتعلقة بالأراضي الرطبة وإنتاج أصناف مختلفة من الخرائط المتعلقة بالمواضيع التالية:

  • التغييرات في استخدام الأراضي
  • الخصائص الفيزيائية الكيميائية للمياه
  • ديناميات المياه السطحية
  • رطوبة التربة
  • قدرة الموائل على توفير خدمات النظم الإيكولوجية كالسيطرة على الفيضانات

ولقد تم اختبار هذه الأداة في 25 موقعًا موزعا على 19 دولة في ثلاث قارات. كما سلطت الضوء على التغيرات في مساحة الأراضي الرطبة عبر الزمن والتهديدات التي تواجهها. وتهدف هذه النتائج فيما بعد إلى تمكين المدراء وصانعي السياسات من مواءمة ممارسات الإدارة أو تنفيذ تدابير لاستعادة الأراضي الرطبة المعنية.

تعرف على مشروع SWOS هنا.

زر بوابة SWOS.

 

مثال لمنتج SWOS يمكنه تحديد الأراضي الرطبة في ألبانيا بواسطة الأقمار الصناعية. مصدر الصورة: Tour du Valat

 

مشروع RhoMéO من 2009 إلى 2013

يهدف المشروع، المدعوم من وكالة الماء رون-المتوسط ​​كورس و منطقة أوفيرني-رون ألب، إلى إنشاء أدوات الاستشعار عن بعد لرصد الأراضي الرطبة في حوض الرون -المتوسط.

تم إنشاء الأداة باستخدام 13 مؤشرا مستخلصا من البيانات البيولوجية والفيزيوكيميائية التي تم جمعها ميدانيا ومن المعلومات المستخرجة من صور الأقمار الصناعية (Landsat 5 TM و + Landsat 7 ETM) ، ثم طبقت فيما بعد على 200 موقع اختبار في منطقة بروفانس-ألب-كوت دازور (PACA).

إن تطبيق المؤشرات يجعل من الممكن تحديد الأراضي الرطبة وتسليط الضوء على حالتها البيولوجية والفيزيائية والكيميائية والضغوط التي تواجهها. إن الأداة، التي يمكن استخدامها من خلال برنامج GIS ArcGIS، متاحة لمدراء المناطق الطبيعية في حوض الرون-المتوسط على الانترنت مصحوبة بشرح تفصيلي موجه للمستخدمين.

تعرف على مشروع RhoMéO.

 

 مشروع Flood في الفترة 2015-2018

أطلق مشروع Flood في عام 2015 من قبل Tour du Valat ويتم الآن وضع اللمسات الأخيرة عليه. ويهدف المشروع إلى تطوير أداة استشعار عن بعد تسمح بتنفيذ جرد شامل للأراضي الرطبة المتوسطية. ستوفر هذه الأداة معلومات حول المناطق التي غمرتها المياه بمرور الزمن، وجودة المياه في حوض البحر الأبيض المتوسط. عندما يتم تطويرها على النحو الأمثل، ستكون الأداة قادرة على تمييز المناطق المغمورة مؤقتًا من الأراضي الرطبة نفسها. ويساهم هذا العمل أيضا في تطوير مؤشرين من مؤشرات مرصد المناطق الرطبة المتوسطية المتعلقة بالأراضي الرطبة وهما: مؤشر “درجة فيضان الأراضي الرطبة” والمؤشر المستقبلي عن الإغناء  بالمغذيات (Eutrophisation). وستساهم النتيجة المتحصل عليها في إنشاء قاعدة بيانات المرصد، تشتمل على كل البيانات المتوفرة حول الأراضي الرطبة المتوسطية، لتكون متاحة فيما بعد لجزء من الجمهور على شبكة الأنترنات عبر “Web Mapping”.

إن أدوات الاستشعار عن بعد الجديدة تعطي إضافة حقيقية للحفاظ على الأراضي الرطبة. فهي تسهل الحصول على بيانات يصعب جمعها ميدانيا وعلى نطاق جغرافي كبير. إن مخرجات المشاريع المذكورة أعلاه هو توفير الأدوات والبيانات لصانعي القرار والمدراء لتمكين الجميع من اكتساب المعرفة حول عمل الأراضي الرطبة ودورها من أجل تحقيق أهداف الحفظ.

 

مزيد من المعلومات:

موقع Tour du Valat على الانترنات

موقع إتفاقية رامسار.

منشور “إستخدام الأراضي” : https://tourduvalat.org/mediatheque/brochures

 

الإتصال ب

أنيس ڨلمامي، Tour du Valat

guelmami@tourduvalat.org

المراجع:

 

  • Mediterranean Wetlands Observatory (2014). Land cover – Spatial dynamics in Mediterranean coastal wetlands from 1975 to 2005. Thematic file N° 2. Tour du Valat, France. 48 pages. ISBN: 2-910368-59-9.
  • Sanchez A., Abdul Malak D., Guelmami A., Perennou C. (2015). Development of an Indicator to Monitor Mediterranean Wetlands. PLoS ONE 10 (3): e0122694.
  • Brochure of Satellite-based Wetland Observation Service (SWOS)
  • Globwetland II handbook: “a regional pilot project of the Ramsar Convention on Wetlands”
  • Burkhard B., Kandziora M., Hou Y. and Müller F. (204). “Ecosystem Service Potentials, Flows and Demands – Concepts for Spatial Localization, Indication and Quantification”; Landscape Online, p. 32, 2014.
  • Mediterranean Wetlands Observatory (MWO) (202). “Mediterranean wetlands: challenges and prospects”; Technical report, Tour du Valat, France, 128p., 2012.